فصل: فصل فيما ورد فِي الحث على صلة الرحم والتحذير عن قطيعتها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.مواعظ وفوائد:

رب مسرور مغبون يأكل ويشرب ويضحك وَقَدْ حق له فِي كتاب الله عز وجل أنه من وقود النار. من الغرور ذكر الحسنات ونسيان السيئات.
وقال بلال بن سعد: يا أولي الألباب ليتفكر متفكر فيما يبقى له وينفعه. أما مَا وكلكم الله عز وجل به فتضعونه. وأما مَا تكفل لكم به فتطلبونه مَا هكذا نعت الله عباده المؤمنين.
أذووا عقول فِي طلب الدنيا ويله عما خلقتم له فكما ترجون الله بما تؤذون من طاعته فكذلك أشفقوا من عذاب الله بما تنتهكون من معاصيه.
وقال: عباد الله اعلموا أنكم تعملون فِي أيام قصار لأيام طوال، وفي دار زوال لدار مقام، وفي دار نصب وحزن لدار نعيم وخلد.
ومن لَمْ يعمل على اليقين فلا يتعن.
عباد الله هل جاءكم مخبر يخبركم أن شيئًا من أعمالكم تقبل منكم أو شيئًا من أعمالكم غفر لكم.
قال أبو عمرو الأوزعي: ليس ساعة من ساعات الدنيا إلا وهي معروضة على العبد يوم القيامة يومًا فيومَا وساعةً فساعة.
ولا تمر به ساعة لَمْ يذكر الله فيها إلا وتقطعت نفسه عليها حسرات فكيف إذا مرت به ساعة مع ساعة ويوم إِلَى يوم لَمْ يذكر الله فيها فيا لها من حسرة ويا لها من ندامة ويا له من أسف وحزن طويل.
ابن آدم اعمل عمل رجل لا ينجيه إلا الله ثم عمله، وتوكل رجل لا يصيبه إلا مَا كتبه الله له.
ومن يُنْفِقِ السَّاعَاتِ فِي غَيرِ طَاعَةٍ ** لِخَالِقِهِ فَهْوَ السَّفيه الْمُضِيِّعُ

اللهم يا منور قلوب العارفين، يا قاضي حوائج السائلين يا قابل توبة التائبين ويا مفرجًا عن المكروبين والمغمومين، تب علينا واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وعَلَى آله وصحبه أجمعين.

.فصل في صلة الرحم:

الرحم القرابة، سميت بذلك لأنها داعية التراحم بين الأقرباء وصلة الرحم موجبة لرضا الرب عن العبد وموجبة لثواب الله للعبد فِي الآخرة، وَقَدْ ورد أنها سبب لبسط الرزق وتوسيعه وسبب لطول العمر، وهذه الأشياء من الأمور المحبوبة على العبد.
وذلك حق فإن الله تعالى هو الخالق للأسباب والمسببات، وَقَدْ جعل لكل مطلوب سببًا وطريقًا ينال به، وهذا جار على الأصل الكبير، وأنه من حكمته ورحمته جعل الجزاء من جنس العمل فكما أن الإنسان وصل رحمه بالبر والإحسان، وأدخل على قلوبهم السرور، وصل الله عمره وبسط فِي رزقه ووسعه وفتح له من أبواب الرزق مَا لَمْ يكن له على بال وبارك له.
فكم من إنسان وهبه الله قوة فِي جسمه ورزانة فِي عقله ومضاء فِي عزيمته وبركة فِي علمه وعمله كانت حياته حافلة بالأعمال الطيبة، فهذا حياته حياة طويلة وإن كانت فِي الحساب قصيرة، لأن المقياس الحقيقي للحياة المباركة هي جلائل الأعمال، وكثرة الآثار ليس الشهور والأعوام كما قال بعضهم:
فَتًى عَاشَ أَعْمَالاً جِسَامًا وَإِنَمَا ** تُقَدَّرُ أَعْمَارُ الرِّجَالِ بِأَعْمَال

وقال آخر:
الْعِلْمُ أَنْفَسُ شَيْءٍ أَنْتَ ذَاخِرُهُ ** مَنْ يَدْرُسُ الْعِلْمَ لَمْ تَدْرُسْ مَفَاخِرُهُ

أَقْبِلْ على الْعِلْمُ وَاسْتَقْبِلْ مَبَاحِثَهُ ** فَأَوَّلُ الْعِلْمِ إِقْبَالُ وَآخِرُهُ

وانظر إِلَى من مضى من العلماء والمصلحين الذين عاشوا زمنًا قليلا كأنهم لبثوا قرونًا كثيرة لكثرة مَا عملوا وعظم مَا خلفوا بينما ترى آخرين يعيشون زمنًا طويلاً ويذهبون ولا يبقى لهم أثر ولا ذكر كما قيل:
كَأَنَّهُمْ قَطُّ مَا كَانُوا وَمَا خُلِقُوا ** وَمَاتَ ذِكْرُهُمُوا بَيْنَ الْوَرَى وَنُسُوا

ومن أسباب البركة فِي العمر والله أعلم التفرغ من الشواغل والشواغب فمن كثرت شواغله، وشواغبه قليل البركة فِي العمر أو معدومها لأنه منع من تصريفه فِي طاعة الله بمتابعة شعواته وملذاته وتحصيل مناه من دنياه ومن تفرغ من الشواغل ولم يقبل على طاعة الله فهو أيضًا مخذول ومصروف عن طريقة الاستقامة والهدى ولا بركة فِي عمره.
وإذا تأملت أكثر الناس وجدت الذي حبسهم عن طاعة الله والإقبال عليه وتصريف أعمارهم فِي التوجه إليه بأنواع الطاعات هو كثرة أشغالهم فاشتغلت جوارحهم بخدمة الدنيا ليلاً ونهارًا شهورًا وأعوامًا حتى انقرض العمر كله فِي اللهو والبطالة والتقصير.
ومن الناس من قلت شواغلهم فِي الظاهر لوجود من قام بها عنهم لكن كثرة علائقهم وتفكراتهم فِي الباطن لكثرة مَا تعلق بهم من الشواغب فهم مستغرقون دائمًا فِي التفكير والتدبير والاختيار والتقديرات والاهتمام بأمور من تعلق بهم من الأنام.
لاسيما من كان له جاه ورياسة وخطة أو سياسة فهذا بعيد عن تصريف العمر واستغراقه فِي أنواع طاعة الله والإقبال عليه بقلبه وقالبه والحاصل أن الخير يكون غالبًا بإذن الله فِي التخفيف من الشواغل والعوائق التي تجذبه وتحفظه عن الطاعة إذا هم بها ويكون لا بركة فِي عمره أو قليل البركة فيه.
وإنما رتبت البركة فِي العمر على صلة الرحم لأن المرء إذا وصل رحمه أرضى ربه فأجله أقرباؤه واحترموه، فامتلأت نفسه سرورًا وشعر بمكانة عالية من أجل مَا وفقه الله له من صنيعه الذي صنع، والسرور منشط، كما أن الحزن مثبط، والشعور بالتعظيم عن أعمال مجيدة داع للإكثار مِنْهَا، وبذل الجهد فِي سبيلها.
وإن لَمْ يفعل لَمْ يحصل له ذلك كما قيل:
وَكَيْفَ يَسُودُ الْمَرْءُ مَنْ هُو مِثْلُهُ ** بِلا مِنْةٍ مِنْه عَلَيْهِ وَلا يَد

آخر:
أَخُو ثِقَةٍ يُسَرُّ بِحُسْنِ حَالِي ** وَإِنْ لَمْ تُدْنِهِ مِنِّي قَرَابَةْ

أَحَبُّ إِلَى مِنْ أَلْفَى قَرِيبٍ ** تَبِيْتُ صُدُورُهُمْ لِي مُسْتَرَايَهْ

وقال بعض من تضرر بالأقارب:
يَقُولُونَ عِزُّ فِي الأقَارِبِ إِنْ دَنَتْ ** وَمَا الْعِزُّ إِلا فِي فُرَاقِ الأقَارِبِ

تَرَاهُمْ جَمِيْعًا بَيْنَ حَاسِدِ نِعْمَةٍ ** وَبَيْنَ أَخِي بُغْضٍ وَآخَرَ عَائِب

وكما أن الصحة وطيب الهواء وطيب الغذاء واستعمال الأمور المقوية للأبدان والقلوب من أسباب طول العمر، فكذلك صلة الرحم جعلها الله سببًا ربانيًا من أسباب طول العمر.
قال البلباني: والمراد بصلة الرحم موالاتهم ومحبتهم أكثر من غيرهم لأجل قرابتهم وتأكيد المبادرة إِلَى صلحهم عند عداوتهم والاجتهاد فِي إيصال كفايتهم بطيب نفس عند فقرهم والإسراع إِلَى مساعدتهم ومعاونته عند حاجتهم.
ومراعاة جبر قلوبهم مع التعطف والتلطف بهم وتقديمهم فِي إجابة دعوتهم والتواضع معهم فِي غناه وفقرهم وقوته وضعفهم ومداومة مودتهم ونصحهم فِي كل شؤنهم والبداءة بهم فِي الدعوة والضيافة قبل غيرهم وإيثارهم فِي الإحسان والصدقة والهدية على من سواهم لأن الصدقة عليهم صدقة وصلة.
وفي معناها الهدية ونحوها ويتأكد فعل ذلك مع الرحم الكاشح المبغض عساه أن يعود ويرجع عن بغض إِلَى مودة قريبة ومحبته انتهى.
وفي النهاية: قَدْ تكرر فِي الحديث صلة الرحم وهي كناية عن الإحسان إِلَى الأقربين من ذوي النسب والأصهار، والتعطف عليهم، والرفق بهم والرعاية لأحوالهم وكذلك إن بعدوا وأساءوا، وقطع الرحم ضد ذلك كله.
وفي الفتح قال القرطبي: الرحم التي توصل عامة وخاصة فالعامة رحم الدين، وتجب مواصلتها بالتودد والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة، وأما الرحم الخاصة فتزيد النفقة على القريب، وتفقد أحوالهم، والتغافل عن زلاتهم وتتفاوت مراتب استحقاقهم فِي ذلك كما فِي الحديث الأقرب فالأقرب.
مَاذَا عَلَيَّ وَإِنْ كُنْتُمْ ذَوِي رَحمِي ** أَنْ لا أحُبُّكُمُوا إنْ لَمْ تُحِبُونِي

لا أَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي ظَمَائِرِهُمْ ** مَا فِي ضَمِيرِي لَهُمْ مِنْ ذَاكَ يَكْفِينِي

آخر:
مِنْ النَّاسِ مَنْ يَغْشَى الأبَاعِدَ نَفَعُّهُ ** وَيَشْقَى بِهِ حَتَى الْمَمَاتِ أَقَارِبُهُ

فِإِنْ كَانَ خَيْرًا فَالْبَعِيدُ يَنَالُهُ ** وِإِنْ كَانَ شَرًا فَابْنُ عَمِّكَ صَاحَبُهُ

آخر:
وَإِذَا تَكُونُ كَرِيهَةٌ أُدْعَى لَهَا ** وَإِذَا يُحَاخسِ الْحَيْسُ يُدْعَى جُنْدُبُ

هَذَا لَعَمْرُ كُمُوا الصِّغَارُ بِعَيْنِهِ ** لا أُمَّ لِي إِنْ كَانَ ذَاكَ وَلا أَبُ

وقال ابن أبي جمرة: تكون صلة الرحم بالمال وبالعون على الحاجة، وبدفع الضرر وبطلاقة الوجه، وبالدعاء، والمعنى الجامع إيصال ما أمكن من الخير ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة.
وهذا إنما يستمر إذا كان أهل الرحم أهل استقامة فإن كانوا كفارًا أو فجارًا فمقاطعتهم فِي الله هي صلتهم، بشرط بذل الجهد فِي وعظهم ثم إعلامهم إذا أصروا بأن ذلك بسبب تخلفهم عن الحق، ولا يسقط مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن يعودوا على الطريق المثلى.
وَلَقَدْ بَلَوْتُ النَّاسَ ثَمَّ خَبَرْتُهُمْ ** وَعَلِمْتُ مَا مِنْهُمْ مِنْ الأسْبَابِ

فَإِذَا الْقَرَابَةُ لا تُقَرِّبُ قَاطِعًا ** وَإِذَا الدِّيَانَةُ أَقْرَبُ الأسْبَاب

ومن اللطائف أن ابن المقري كتب لوالده حين امتنع عن النفقة عليه:
لا تَقْطَعَنَّ عَادَةَ بِرٍ وَلا ** تَجْعَلْ عِتَابَ الْمَرْءِ فِي رِزْقِه

فَِإنْ أَمْرَ الإِفْكِ مِنْ مِسْطَحٍ ** يَحُطُّ قَدْرَ النَّجْمِ مِنْ أُفْقِهِ

وَقَدْ جَرَى مِنْهُ الذِّي قَدْ جَرَى ** وَعُوتِبَ الصَّدِيقُ فِي حَقِّه

فأجابه والده مبينًا له السبب لذلك المنع:
قَدْ يُمْنَعُ الْمُضْطَرُّ مِنْ مَيْتَةٍ ** إِذَا عَصَى فِي السِّيْرِ فِي طُرْقِهِ

لأَنَهُ يَقْوَى على تَوْبَةٍ ** تُوْجِِبُ إِيْصَالاً إِلَى رِزْقِهِ

لَوْ لَمْ يَتُبْ مِنْ ذَنْبِهِ مِسْطَحٌ ** مَا عُوتِبَ الصَّدِيقُ فِي حَقَّه

ومما يدخل فِي صلتهم تعهدهم بالتربية والتوجيه حين يكونون صغارًا محتاجين على توجيههم إِلَى الدين الحنيف والأخلاق الفاضلة ومما يدخل المبادرة فِي علاجهم عندما يمرضون وزيارتهم إذا غابوا عنه، وعيادتهم عندما يمرضون، وإشعارهم أنه معهم دائمًا.
اللهم هب لنا مَا وهبته لأوليائك وتوفنا وأنت راض عنا وَقَدْ قبلت اليسير منا واجعلنا يا مولانا من عبادك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وعَلَى آله وصحبه أجمعين.

.فصل فيما ورد فِي الحث على صلة الرحم والتحذير عن قطيعتها:

وَقَدْ ورد فِي الحث على صلة الرحم والتحذير عن قطيعتها آيات وأحاديث كثيرة، نذكر طرفًا مِنْهَا، قال الله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} أي قرابتك من أبيك وأمك والمراد بحقهم برهم وصلتهم.
وقال تعالى: {وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} أي اتقوا الأرحام أن تقطعوها: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ} المراد الرحم والقرابة.
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت».
وأخرج أبو يعلى بإسناد جيد عن رجل من خثعم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو فِي نفر من أصحابه فقلت: أنت الذي تزعم أنك رسول الله؟ قال: «نعم». قلت: يا رسول الله أي الأعمال أحب إِلَى الله؟ قال: «الإيمان بالله». قلت: يا رسول الله ثم مه.
قال: «ثم صلة الرحم». قال: قلت يا رسول الله أي الأعمال أبغض إِلَى الله؟ قال: «الإشراك بالله». قال: يا رسول الله ثم مه؟ قال: «ثم قطيعة الرحم». قال: قلت ثم مه قال: «الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف».
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي أيوب رضي الله عنه أن أعرابًا عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فِي سفر فأخذ بخطام ناقته أو بزمامها ثم قال: يا رسول الله أو يا محمد أخبرني بما يقربني من الجنة ويباعدني من النار، قال: فكف النبي صلى الله عليه وسلم ثم نظر فِي أصحابه ثم قال: «لقد وفق أو لقد هدي». قال: كيف قلت؟ قال: فأعادها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تعبد الله لا تشرك به شيئًا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم».
وفي رواية: «وتصل ذا رحمك». فلما أدبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن تمسك بما أمرته دخل الجنة». وأخرجا أيضًا عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله».
وأخرج أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى خلق خلقًا حتى إذا فرغ مِنْهُمْ قامت الرحم». زاد رواية البيهقي «فأخذت بحقوَى الرحمن فقال: مه؟ فقالت: هذا مقام العائد بك من القطيعة قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى قال فذاك لك». ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرؤوا إن شئتم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}.
وعن أبي هريرة أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي فقال: «لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهيرًا عليهم مل دمت على ذلك». رواه مسلم.
وعن أنس قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب.
فلما نزلت هذه الآية: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} قام أبو طلحة إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بخ ذلك مال رابح، وَقَدْ سمعت مَا قلت، وإني أرى أن تجعلها فِي الأقربين». فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة فِي أقاربه وبني عمه متفق عليه.
وعن أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنه أنها أعتقت وليده ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت: أشعرت يا رسول الله أني أعتقت وليدتي قال: «أو فعلت؟» قلت: نعم. قال: «أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك». متفق عليه.
وفي حديث أبي سفيان فِي قصة هرقل أنه قال لأبي سفيان مَا يأمركم به يعني النبي صلى الله عليه وسلم قلت يقول: «اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدقة والعفاف والصلة». متفق عليه.
وأخرج الإمام أحمد بإسناد جيد قوي وابن حبان فِي صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الرحم شجنة من الرحمن تقول يا رب إني قطعت إني أسيء إليَّ يا رب إني ظلمت يا رب يا رب فيجيبها ألا ترضين أن أصل من وصلك واقطع من قطعك».
وَذِي رَحِمٍ قَلَّمْتُ أَضْفَارَ ضِغْنِهِ ** بِحِلْمِي عَنْهُ وَهْوَ لَيْسَ لَهُ حُلْمُ

يُحَاوِلُ رَغْمِي لا يُحَاوِلُ غَيْرَهُ ** وَكَالْمَوْتِ عِنْدِي أنْ يَحِلَّ بِهِ الرَّغْمُ

فَإِنْ أَعْفُ عَنْهُ أَغْضِ عِيْنًا على قَذَى ** وَلَيْسَ لَهُ بِالصَّفْحَ عَنْ ذَنْبِهِ عِلْمُ

وَإِنْ انْتَصِرْ مِنْه أَكُنْ مِثْلَ رَائِشٍ ** سِهَامَ عَدُوٍّ يُسْتَهَاضُ بِهَا الْعَظْمُ

صَبَرْتُ على مَا كَانَ بَيْنِي وِبَيْنَهُ ** وَمَا تَسْتَوِي حَرْبُ الأَقَارِبُ وَالسِّلْمُ

وَبَادَرْتُ مِنْه النَّأَيَ وَالْمَرْءُ قَادِرٌ ** عَلَى سَهْمِهْ مَا دَامَ فِي كَفِّهِ السَّهْمُ

وَيَشْتِمُ عِرْضِي فِي الْمَغَيَّبِ جَاهِدًا ** وَلَيْسَ لَهُ عِنْدِي هَوَانٌ وَلا شَتْمُ

إِذَا سُمْتُهُ وَصْلَ الْقَرَابَةِ سَامَنِي ** قَطِيعَتَهَا تِلْكَ السَّفَاهَةُ وَالإِثْمُ

وَإِنْ أَدْعُهُ لِلنِّصْفِ يَأْبَى وَيَعْصِنِي ** وَيَدْعُو لِحُكْمِ جَائِر غَيْرُهْ الْحُكْمُ

فَلَوْلا اتِّقَاءُ الله وَالرَّحِمِ اللَّتِي ** رِعَايَتُهَا حَقٌّ وَتَعْطِيلُهَا ظُلْمُ

إِذَا لِعُلاهُ بَارِقِي وَخَطْمَتُهُ ** بِوَسْمِ شِنَارٍ لا يُشَابِهُهُ وَسْمُ

وَيَسْعَى إِذَا أَبْنِي لِهَّدْمِ مَصَالِحِي ** وَلَيْسَ الذِّي يَبْنِي كَمَنْ شَأْنُهُ الْهَدْمُ

يَوَدُّ لَوْ أَنِّي مُعْدِمٌ ذُوْ خَصَاصَةٍ ** وَأَكْرَهُ جُهْدِي إِنْ يُخَالِطَهُ الْعُدْمُ

وَيَعْتَدُ غَنْمًا فِي الْحَوَادِثِ نَكْبَتِي ** وَمَا إِنْ لَهُ فِيْهَا سَنَاءٌ وَلا غُنْمُ

وَمَا زِلْتُ فِي لَيْنِي لَهُ وَتَعَطُفِيْ ** عَلَيْهِ كَمَا تَحْنُو على الْوَلَدُ الأُمُّ

وَخَفْضٍ لَهُ مِنِّي الْجَنَاحَ تَأَلُفًا ** لِتُدْنِيَهُ مِنّي الْقَرَابَةُ وَالرَّحْمُ

وَقُولِي إِذَا أَخْشَى عَلَيْهِ مُلِمَّةً ** أَلا اسْلَمْ فِدَاكَ الْخَالُ ذُوْ الْعَقْدِ وَالْعَمُ

وَصَبْرِي على أَشْيَارَ مِنْه تُرِيْبُنِي ** وَكَظْمِ على غَيْظِي وَقَدْ يَنْفَعُ الْكَظْمُ

لأَسْتَلَّ مِنْ الظَّعْنَ حَتَّى اسْتَلَلْتُهُ ** وَقَدْ كَانَ ذَا ضِغْنٍ يَضِيْقُ بِهِ الْجَرْمُ

رَأَيْتُ إِنْثَلامًا بَيْنَنَا فَرَقَعْتُهُ ** بِرِفْقِي وَإِحْيَائِي وَقَدْ يُرْقَعُ الثَّلْمُ

وَأَبْرَأْتُ غِلَّ الصَّدْرِ مِنْهُ تَوَسُّعًا ** بِحِلْمِي كَمَا يُشْفَى بِالأَدْوِيَةِ الْكَلْمُ

فَدَوَايْتُهُ حَتَى ارْفَأَنَّ نِفَارُهُ ** فَعُدْنَا كَأَنَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا جُرْمُ

وَأطْفَأَ نَارَ الْحَرْبِ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ** فَأَصْبَحَ بَعْدَ الْحَرْبِ وَهُوَ لَنَا سِلْمُ

والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وسلم.
فصل:
وأخرج الأمام أحمد أيضًا بإسناد رواته ثقات والبزار عن سعيد بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن من أربى الربا الاستطالة فِي عرض المسلم بغير حق، وإن هذه الرحم شجنة من الرحمن عز وجل فمن قطعها حرم الله عليه الجنة».
وأخرج البزار بإسناد حسن عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الرحم شجنة متمسكة بالعرش تكلم بلسان ذلق اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني فيقول الله تبارك وتعالى أنا الرحمن الرحيم وإني شققت الرحم من اسمي فمن وصلها وصلته ومن بكتها بكته».
إِنِي لَيَمْنَعُنِي مِنْ قَطْعِ ذِي رَحِمٍ ** مَا جَاءَ فِي الذِّكْرِ مَعْ مَا جَاءَ فِي السُّنَنِ

إِنْ لانَ لِنْتُ وَإِنْ دَبَّتُ عَقَارِبُهُ ** إِلَيَّ جَازَيْتُهُ بِالصَّفْحِ لا الظَّغْنِ

إِذَا هَجَرُوا عِزًا وَصَلْنَا تَذَلُلاً ** وَإِنْ بَعُدُوا يَأْسًا قَرَبْنَا تَعَلُلا

وَإِنْ أَغْلَقُوا بِالْهَجْرِ أَبْوَابَ وَصْلِهِمْ ** وَقَالُوا أُبْعُدُوا عَنَّا طَلَبْنَا التَّوَصَلا

وَإنْ مَنَعُونا أنْ نجُوزَ بأَرْضِهِم ** وَلم يَسْمَعُوا الشكوى وَرَدُّوا التَّوَسُّلاَ

أَشَرْنا بِتَسْلِيمٍ وَإنْ بَعُدَ المَدَى ** إلَيْهِمْ وَهَذا مُنْتَهَى الوَصْل أكْمَلاَ

وأخرج الطبراني وابن خزيمة فِي صحيحه والحاكم وقال: على شرط مسلم عن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح». يعني أفضل الصدقة على ذي الرحم المضمر العداوة وهو فِي معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «وتصل من قطعك».
قال الناظم:
وَكُنْ وَاصِلَ الأَرْحَامِ حَتَّى لِكَاشِحِ ** تُوَفَّرُ فِي عُمٍْر وَرِزْقٍ وَتَسْعَدُ

وَلاَ تَقْطِعِ الأَرْحَامَ أنَّ َقِطِيعَةً ** لِذِي رَحِمٍ كُبْرَى مِنْ اللهِ تُبْعِدُ

فَلاَ تَغْشَى قَوْمًا رَحْمَةُ اللهِ فَيهِمُ ** ثَوَى قَاطِعِ قَدْ جَاءَ ذَا بِتَوَعُّد

وأخرج الإمام أحمد بسند رجاله ثقات عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بيده فقلت: يا رسول الله أخبرني بفواصل الأعمال فقال: «يا عقبة صل من قطعك وأعط من حرمك وأعرض عمن ظلمك». وفي لفظ: «واعف عمن ظلمك».
وأخرج الطبراني عن علي رضوان الله عليه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلك على أكرم أخلاق الدنيا والآخرة؟ أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك وأن تعفو عمن ظلمك». ورواه البزار عن عبادة بن الصامت مرفوعًا بلفظ: «ألا أدلكم على مَا يرفع الله به الدرجات؟» قالوا: نعم يا رسول الله. قال: «تحلم على من جهل عليك، وتعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك».
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحب أن يبسط له رزقه وينسأ له فِي أثره، فليصل رحمه». وللبخاري عن أبي هريرة: «من سره أن يبسط له فِي رزقه، وينسأ له فِي أثره، فليصل رحمه».
ورواه الترمذي بلفظ: «تعلموا من أنسابكم مَا تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة فِي الأهل، مثراة فِي المال منساة فِي الأثر». ومعنى مثراة فِي المال، أي زيادة فيه ومعنى منسأة فِي الأثر: النسأ أي زيادة فِي عمره أي يؤخر له فِي أثره وهو الذكر الحسن فيه يكتسب صاحبه حسنات وهو فِي القبر بالدعاء الصالح له أو الإقتداء به فِي صالح عمله.
ذِكْرُ الفَتَى عُمْرهُ الثانِي وحَاجَتُهُ ** ما قَاتَهُ وفُضُولُ العَيْشِ أَشْغَالُ

آخر:
دَقَّاتُ قَلْبِ المَرْءِ قَائِلَةٌ لَهُ ** إنَّ الحَيَاةَ دَقَائِقٌ وَثَوَانِي

فَارْفَعْ لِنَفْسِكَ بَعدْ مَوْتِكَ ذِكْرَهَا ** فَالذِّكْرُ لِلإِنْسَانِ عُمْرٌ ثَانِي

وأخرج عبد الله بن الإمام أحمد فِي زوائده والبزار بإسناد جيد والحاكم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سره أن يمد له فِي عمره، ويوسع له فِي رزقه، ويدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه».
وأخرج البزار بإسناد لا بأس به والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مكتوب فِي التوراة من أحب أن يزاد فِي عمره، ويزاد فِي رزقه فليصل رحمه».
وأخرج الطبراني بإسناد حسن والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليعمر بالقوم الديار ويثمر لهم الأموال، وما نظر إليهم منذ خلقهم بغضًا لهم». قيل: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: «بصلتهم لأرحامهم».
اللهم ثبت قلوبنا على دينك وألهمنا ذكرك وشكرك واختم لنا بخاتمة السعادة واغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وعَلَى آله وصحبه أجمعين.
فَصْلٌ: ثم اعلم أن لصلة الرحم فوائد جمة وثمرات محققة ونتائج حسنة فِي حياة المسلم ويعد وفاته وَقَدْ رتب النبي صلى الله عليه وسلم على صلة الرحم أمرين محققين هما بسط الرزق وسعته والإنساء فِي الأثر ومساعدة ذوي القربى وصلتهم واجب ديني ندب الله إليه وجاءت الأحاديث مبينة أنه من آكد واجبات المرء فِي حياته يدعوك له الشفقة والحنان والعطف والرحمة على ذوي قرباك.
وليس من البر مساعدة الخامل الكسلان وتشجيعه على البطالة والكسل وإنما البر والصلة فِي مساعدة من فقد أسباب العمل ولم تتهيأ له طرق المكاسب وعليك أن تعاملهم معاملة الرفق واللين فتحترم كبيرهم وتجله وتحسن إِلَى صغيرهم وتتجاوز عن هفواتهم وتغض الطرف عن زلاتهم وتقابل المسيء مِنْهُمْ بالإحسان لا بالاستكبار والاستنقاص لأنهم أقاربك وأولى الناس بمودتك وعطفك ورحمتك ومما يولد المحبة والحنان الهدايا قال بعضهم:
هَدَايَا الناسِ بَعْضُهُمُ لِبَعْضٍ ** تُوُلِّدُ فِي قُلُوبِهِمُ الوِصَالاَ

وتَزْرَعُ فِي الضَّمِيرِ هَوَي وَوُدًا ** وَتَكْسُوكَ المَهَابَةَ والجَلاَلاَ

آخر:
فَلاتَكُ مِنَّانًا بِخَيْرٍ فَعَلْتَهُ ** فَقَدْ يُفْسِدُ المَعْرُوفَ بِاْلمَّنِ صَاحِبُهْ

وهم لأقرب الناس بعد أصولك وفروعك وحواشيك يتمنون سعادتك هناءك ويرجون لك الخيرات فجدير بك أن تسارع إِلَى مواساتهم وعيادتهم إذا مرضوا والسلام على من قدم مِنْهُمْ وتوديعه إذا سافر ومشاركتهم فِي أفراحهم وإظهار السرور لهم ومشاطرتهم فِي أتراحهم وتخفيف آلام الحزن عنهم والإسراع فِي قضاء حوائجهم ونحو ذلك من الأعمال الطيبة والمظاهر الشريفة تضيف قوتك على قوتهم فيسرعون على إجابتك ودفع الأذى عنك فِي ملماتك. اهـ.
وأخرج ابن ماجة وابن حبان فِي صحيحه والحاكم وقال: صحيح الإسناد عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد فِي العمر إلا البر».
وروى الإمام أحمد عن عائشة مرفوعًا: «صلة الرحم، وحسن الجوار، أو حسن الخلق، يعمران الديار، ويزيدان فِي الأعمار».
وأخرج الطبراني وابن حبان فِي صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بخصال من الخير أوصاني أن لا انظر إِلَى من هو فوقي، وأن انظر إِلَى من هو دوني، وأوصاني بحب المساكين والدنو مِنْهم، وأوصاني أن أصل رحمي وإن أدبرت، وأوصاني أن لا أخاف فِي الله لومة لائم، وأوصاني أن أقول الحق وإن كَانَ مرًا، وأوصاني أن أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة.
الذِّكْرُ أَصْدَقُ مِنْ سَيْف ومِنْ كُتُبِ ** فاعْمَلْ بِهِ تُحْرِزْ الأعَلَى من الرُّتَبِ

فيه جَمِيعُ الذِي يَحْتَاجُه البَشَرُ ** وَسُنّةُ المُصْطَفَى من بَعْدِه تُصِب

آخر:
العِلْم فيما أَتَى بِالذِكرِ مَطْلَبُهُ ** وَمَا عن المُصْطَفَى قَدْ جَاءَ فِي الكُتُب

وأخرج البخاري وأبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها».
وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة فِي الدنيا مع مَا يدخر له فِي الآخرة من البغي وقطيعة الرحم». رواه ابن ماجة والترمذي وقال: حديث حسن صحيح والحاكم وقال: صحيح الإسناد.
وعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن خمر، وقاطع رحم، ومصدق بالسحر». رواه ابن حبان وغيره.
وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسرع الخير ثوابًا البر وصلة الحم، وأسرع الشر عقوبة البغي وقطيعة الرحم». رواه ابن ماجة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم». رواه أحمد ورواته ثقات.
وروي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن مجتمعون فقال: «يا معشر المسلمين اتقوا الله وصلوا أرحماكم فإنه ليس ثواب أسرع من صلة الرحم وإياكم والبغي فإنه ليس من عقوبة أسرع من عقوبة بغي وإياكم وعقوق الوالدين، فإن ريح الجنة يوجد من مسيرة ألف عام، والله لا يجدها عاق ولا قاطع رحم ولا شيخ زان ولا جار أزاره خيلاء، إنما الكبرياء لله رب العالمين».
خَفِّضْ هُمُومَكَ فَالحَيَاةُ غَرُورُ ** وَرَحَى المَنُونِ على الأنَامِ تَدُورُ

وَالْمَرْءِ فِي دَارِ الفَنَاءِ مُكَلَّفٌ ** لاَ مُهْمَلٌ فِيْهَا وَلاَ مَعْذُورُ

وَالنَّاسُ فِي الدُّنْيَا كَظِلٍّ زَائِلِ ** كُلُّ إِلَى حُكْمِ الْفَنَاءِ يَصِيرُ

فَالنَّكْسُ وَالمَلِكُ المُتَوَّجُ وَاحِدٌ ** لا آمِرٌ يَبْقَى وَلاَ مَأْمُورُ

عَجَبًا لِمَنْ تَرَكَ التَّذَكُّرَ وَانْثَنَى ** في الأمْرِ وَهُوَ بِعَيْشِهِ مَغْرُورُ

وَإِذَا الْقَضَاءُ جَرَى بَأَمْرٍ نَافِذِ ** غَلِطَ الطَّبِيبُ وَأَخْطَأَ التَّدْبِيرُ

إِنْ لُمْتُ صَرْفَ الدَّهْرِ فيه أجَابَنِي ** أبَتِ النُّهَى أنْ يُعْتَبَ الْمَقْدُورُ

أَوْ قُلْتَ لَهْ أيَنْ المُؤْيَّدُ قَالَ لِي ** أَيْنَ الْمُظفَّرُ قَبْلَ وَالمَنْصُورُ

أَمْ أَيْنَ كِسْرَى أَزْدَ شِيرُ وَقَيْصَرٌ ** وَالهُرْمُزَانُ وَقَبْلَهُمْ سَابُورُ

أَيْنَ ابْنُ دَاوُدَ سُلَيْمَانُ الذِي ** كَانَتْ بِجَحْفَلِهِ الْجِبَالُ تَمُورُ

وَالرِّيحُ تَجْرِي حَيْثُ شَاءَ بأَمْرهِ ** مُْنَقادَةً وَبِهِ البِسَاطُ يَسِيرُ

فَتَكَتْ بِهِمْ أَيْدِي الْمَنُونِ وَلَمْ تَزَلْ ** خَيْلُ الْمَنُونِ على الأَنَامِ تُغِيرُ

لَوْ كَانَ يَخْلُدُ بالفَضَائِل مَاجِدٌ ** مَا ضَمَّتِ الرُّسُلَ الكِرَامَ قُبُورُ

إِنَي لأَعْلَمُ وَاللَّبِيبُ خَبِيرُ ** أَنَّ الحَيَاة وَإنْ حَرِصْتَ غَرُورُ

وَرَأَيْتُ كُلاًماً يُعَلِّلُ نَفْسَهُ ** بِتَعِلَّةِ وَإلى الفَنَاءِ يَصِيرُ

والله أعلم. وصلى الله على محمد وعَلَى آله وصحبه وسلم.